قلعة الصنين التاريخية ... سجن معارضي ملوك المناذرة وقلعة مراقبة هجمات الغساسنة

 



بقلم : عبد الزهرة تركي فريح الفتلاوي

الصنين بقايا آثار في قرية تحمل الاسم نفسه شمال ناحية الحيرة في محافظة النجف الأشرف معنى الصنين الصنين: بالكسر ثم التشديد مفتوح بلفظ تثنية الصِن وهو شبه السلة والعامة يفتحونه يُجعل فيه الطعام يُعمل من خُوص النخل والصنين يوم من أيام العجوزوفي كتب اللغة : ((إذا تأخر ولد الناقة حتى يقع في الصلا فهو مصن وهن مصنات ومصان ( ورجل اصن متغافل ) صنان ( كشداد شجاع ) صنين ( كسكين ع بالكوفة )) روي ان الدولة الفارسية حليفة دولة المناذرة كانت تضع كتائب من جيشها في الحيرة لدعم ملوك المناذرة عند الحاجة ، وكانت كتيبة من الجيش الفارسي ترابط في هذا المكان وقائدها اسمه صنين ومنه اشتق الاسم .

 أين تقع الصنين ؟

1- يقول ابن حوقل في كتابه : صورة الارض (أن الصنين كان موضعًا بظاهر الكوفة ... وقيل انه بلد لم يعين موضعه . ويظهر أنه لم يكن بعيدًا عن الحيرة. ولعله كان حصنًا حصينًا منعزلًا عن الناس، به حرس كثيرون يحرسونه لهذا اتخذ سجنًا ومحبسًا .

2-  قال ياقوت الحموي (ان الصنين كانت بلدة بظاهر الكوفةوهو امر مجانب للصواب ، حيث توجد بقايا قلعة الصنين أسفل الكوفة وليس بظهرها  

3-  الدكتور جواد علي في كتابه ( المفصل فى تأريخ العرب قبل الإسلام) قال : انه بلد لم يعين موضعه

4-  يقول بحث نشر في مجلة المجمع العلمي العراقي (حدد موقع الصنين في جنوب غرب الخورنقالنتيجة ان الصنين قرية معروفة تحمل الاسم نفسه تقع شمال غرب ناحية الحيرة بمسافة حوالي 5-6 كم وقد زرناها وأكلنا الطعام مع أهلها الطيبين وشرحوا لنا طبيعة الآثار المادية التي وجدوها في المنطقة . ولعل السبب الاساس في حدوث هذه الاخطاء هو عدم الكشف الميداني للباحث الذي يقتصر عمله على المصادر الورقية والمكاتب المعزولة. ومما يعضد هذا الرأي هو قول الشاعر الحيري عدي بن زيد وكان مسجونا في الصنين : ليت شعري متى تخب بي النا قة بين السدير والصنينوالسدير شمال غرب الحيرة الحالية ورويت قصيدة عدي بالشكل الآتي : (ليتَ شعري متى تَخِبّ بي النا قة بين العُذَيْب فالصِنّين) (العذيب : تصغير العذب وهو الماء الطيب وهو ماء بين القادسية والمغيثة وبينه وبين القادسية 4 أميال)

طبيعة الصنين

هناك روايات عديدة حول طبيعة الصنين أهمها الآتي : 1- رواية : (ان الصنين قبر نبي اسمه "شعيب بن ذي مهدم" قتله. الملك "بخت نصر")

 2- رواية : (ان الصنين عبارة عن قلعة بناها المعمار البيزنطي سنمار بأمر من الملك القيس ابن النعمان ابن امرئ القيس 505- 512م

3- (رواية : (كان لملوك الحيرة سجون يسجنون بها من يتجاسر عليهم ومن يخالف أمرهم ويعارضهم ويخرج على العرف. ومن سجونهم الصنّين. كان الصنين حصنًا حصينًا منعزلًا عن الناس، به حرس كثيرون يحرسونه، لهذا اتخذ سجنًا ومحبسًا  

4-  رواية : ان الصنين قصر بناه امرؤ القيس بن النعمان بالقرب من الفرات

5- رواية : (ان الصنين من منازل المنذر وبه نهر ومزارع باعه عثمان بن عفان من طلحة بن عبيد الله وكتب له به كتاباَ مشهورأ مذكوراً عند المحدثين

6-  رواية تقول انه (نهر الصنين)

الرأي المختار ان الصنين قلعة من قلاع دولة المناذرة ونقطة حراسة متقدمة لمراقبة غزوات غريمة الحيرة دولة الغساسنة واتخذها ملوك المناذرة سجنا لمعاقبة المتمردين عليهم .

أشهر الحوادث التاريخية في الصنين

أولا : (سجن الشاعر عديّ بن زيد العبادي ) ومقتله ان اشهر من سجن في قلعة الصنين الشاعر عدي بن زيد العبادي بأمر من الملك النعمان بن المنذر بسبب مكيدة دبرها منافسه عدي بن مرينا ثم أمر النعمان بقتل الشاعر عدي الذي كان مترجما في البلاط الفارسي مما تسبب بغضب ملك بلاد فارس الذي استدرج الملك النعمان الى قصره وقتله هناك في حادثة مشهورة عند المؤرخينوفي رواية (وأرسل النعمان ذات يوم إلى عدي بن زيد فأبى أن يأتيه ثم أعاد رسوله فأبى أن يأتيه، وقد كان النعمان سكرانا فغضب وأمر به فسحب من منزله حتى انتهي به إليه، فحبسه في الصنين ولج في حبسه وعدي يرسل إليه بالشعر، أمر كسرى النعمان بإطلاق عدي فقتله قبل وصول الرسول إليه وقيل انه قتله في ليلة وصول رسول كسرى اليه

  ثانيا : الفاتح خالد بن الوليد ينطلق من الصنين الى اليرموك وصلت رسالة من الخليفة عمر بن الخطاب الى قائد الجيوش الاسلامية في العراق يدعوه فيها الى التوجه فورا وبأقصى سرعة لنجدة المسلمين في اليرموك حيث يعانون من قلة العدد ، فاختار خالد احد ابناء الحيرة المدعو عبود وهو شخص كان مترجما في البلاط الحيرى وعارفا بجغرافية الجزيرة العربية فاتخذه دليلا لجيشه بعد امر بقطع الماء عن الابل لمدة ثلاثة ايام ثم راواها من الماء واتجه مع جيشه الى موقعة اليرموك

 ثالثاً : غارة المسلمين على الصنين قبل حرب القادسية  أمر سعد بن ابي وقاص قوة من المسلمين بالغارة على الحيرة وأمر عليهم بكير بن عبدالله الليثي في ثلاثين معروفين بالنجدة والبأس فسروا حتى جازوا السيلحين وقطعوا جسرها يريدون الحيرة فسمعوا جلبة وأزفلة فأحجموا عن الإقدام وأقاموا كمينا حتى يتبينوا فإذا خيول تقدم تلك الغوغاء فتركوها فنفذت الطريق إلى الصنين وإذا أخت أزاذمرد بن آزاذبه مرزبان الحيرة - المرزبان : مسؤول الادارة الفارسي تزف إلى صاحب الصنين وكان من أشراف العجم فسار معها من يبلغها مخافة ما هو دون الذي لقوا فلما انقطعت الخيل عن الزواف والمسلمون كمين في النخل وجازت بهم الأثقال حمل بكير على شيرزاذ بن أزاذبه وهو بينها وبين الخيل فقصم صلبه وطارت الخيل على وجوهها وأخذوا الأثقال وابنة آزاذبه في ثلاثين امرأة من الدهاقين ومائة من التوابع ومعهم مالا يدرى قيمته ثم عاج واستاق ذلك فصبح سعدا بعذيب الهجانات بما أفاء الله على المسلمين فكبروا تكبيرة شديدة فقال سعد أقسم بالله لقد كبرتم تكبيرة قوم عرفت فيهم العز فقسم ذلك سعد على المسلمين فالخمس نفله وأعطى المجاهدين بقيته فوقع منهم موقعا ووضع سعد بالعذيب خيلا تحوط الحريم وانضم إليها حاطة كل حريم وأمر عليهم غالب بن عبدالله الليثي

رابعاً : الامام علي عليه السلام يعسكر في الصنين وصلت الى الكوفة اخبار الغارات المرعبة التي قامت بها جيوش معاوية في اليمن والحجاز بقيادة بسر بن أرطأة ، فجلجل الامام علي ع بجيوشه في الصنين وأرسل جيشا من حوالي ثلاثة آلاف رجل الى الحجاز بقيادة عدي بن حاتم لنجدة الناس هناك ، بعدها عسكر الامام علي في الصنين ثلاثة ايام لكي يمنع تحرك الجواسيس ويؤخر وصول اخبار جيش عدي بن حاتم الى معاوية وأتباعه خامساً الصنين في العصر الحديث بعد ولادة الحيرة الجديدة سنة 1800م ومابعدها كانت قرية الصنين من ممتلكات آل السادة زوين الزراعية وكانت في السابق دارا للسيد حسن زوين ثم تحولت الملكية بعدهم الى غيرهم . ولم يكشف حتى الآن الموقع الاثري للصنين وهو غني بالآثار والنفائس التي تكشف تفاصيل جديدة عن حضارة المناذرةويسكن قرية الصنين اليوم افراد من عشيرة الجبور

الخاتمة  

  الصنين كانت قلعة حربية متقدمة تراقب هجمات الغساسنة واستعملت كسجن ومنفى ايام ملوك المناذرة وعليها حراس أشداء عددهم كثير وفيها نهر ومزارع سميت الصنين بهذا الاسم نسبة الى قائد الحامية الفارسي صنين تقع الصنين شمال ناحية الحيرة في محافظة النجف الاشرف ومازالت منذ قديم الزمان تحمل الاسم نفسه في هذه القعلة سجن وقتل الشاعر الحيري عدي بن زيد من موقع الصنين انطلق كتائب الجيش الاسلامي لدعم اخوانهم في معركة اليرموك أغار المسلمين على الصنين قبل معركة القادسية وحصلوا على الكثير من الغنائن من موقع الصنين بعث أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام جيشا جرارا يقوده عدي بن حاتم لمواجهة غارات جيوش معاوية بقيادة بسر بن أرطأ على الحجاز واليمن مازالت آثار قلعة الصنين قائمة حتى يومنا هذا موضعا شاخصا وآثاره عبارة عن تل كبير في نهاية بساتين النخل ببحر النجف شمال مدينة الحيرة . ويسمى التل الايشان بلهجة اهل المنطقة

أحدث أقدم